منذ فترة وأنا أتابع مسلسل أهل الغرام في جزئه الثاني على قناة أورينت، وقد وافقني تماما أن يعرض المسلسل مرة واحدة في الأسبوع وذلك حتى أتحرر من الالتزام اليومي الذي لن أستطيعه تجاهه إلى جانب أنه يعرض يوم الجمعة مساء ويعاد صباح السبت.
قبل أن أسافر إلى لبنان شاهدت إحدى حلقات المسلسل وكانت بعنوان "سهار بعد سهار" وتجري أحداثها في ضيعة لبنانية صغيرة. لم تكن هذه المرة الأولى التي أشاهد بها هذه الحلقة فقد شاهدتها قبلا وقت أن عرضته قناة الـ إم بي سي لأول مرة –كان ذلك في شتاء 2009 الماضي.
تتحدث القصة باختصار عن أرملة لبنانية مات زوجها الذي أحبته وهي في الجامعة واقترنت به على الرغم من معارضة عائلتي كليهما للزواج بسبب كونهما ما يزالان طالبين، أنجبت الأرملة بنتا هي الآن في الجامعة ومات زوجها بسبب ورم خبيث منذ سنوات قليلة. أصرت الأرملة على أن يدفن زوجها قريبا منها ورفضت أن يدفن في مدافن عائلته بجانب والديه وأقاربه مما أثار سخط أخت زوجها عليها بحيث نراها في المسلسل لا تتوانى عن تذكير ابنة أخيها بفعلة أمها الشنعاء فيما تنبري الابنة في خجل لتبرر تصرف أمها بأنه جاء بدافع من حبها الشديد للمرحوم، فللآن تخرج أمها كل صباح وبيدها ترمس القهوة، تذهب إلى قبر زوجها لتشعل سيجارة وتشرب فنجان قهوتها معه وتحدث القبر وكأنها تخاطب زوجها الحبيب!!.
يعود صديق زوجها وصديقها هي أيضا بعد سنوات من الغربة في مناطق الصراع في العالم، ونعلم أن الصديق يعمل في منظمات الإغاثة الدولية كما ونعلم أيضا أنه هو من منح الزوجين الشابين "غرفة" في بيته في مقتبل حياتهما معا حين تخلى عنهما الجميع.
بمرور الوقت يتعلق الصديق بأرملة الصاحب، خصوصا بعد أن هجرته زوجته وتركت أولادها من أجل "شاب أصغر سنا" مما خلف في قلبه جرحا لا يندمل، ويبدأ في محاولات إقناعها بالارتباط به ونبذ السجن الذي وضعت فيه نفسها، تتدخل ابنتها بعد وعكة صحية تلم بوالدتها بسبب إسرافها في التدخين وترفض هذا الارتباط بعد أن تكون سعيدة جدا بعودة "العمو" الذي قد يساعد "الماما" على العودة إلى الحياة. تدخّل "نورا" جاء ليخير أمها بينها وبين الصديق وليذكرها بأنها هي من اختارت أن تفرض وجود والدها وذكراه الدائمة بتحويلها المنزل إلى مزار وقبر. في النهاية تختار الأم ابنتها وتقول للصديق "انو اللي ضحى بالكتير ما بيبخل بالقليل" في إشارة إلى أنها قد اختارت ابنتها نهاية.
وهكذا كدأب حلقات هذا المسلسل، لا بد أن ينتهي نهاية غير سعيدة إشارة إلى فشل قصص الحب عادة فلا يكتب لها الاستمرار.
الواقع أنني في أول مرة شاهدت فيها المسلسل أثارت الحلقة مللي الشديد لدرجة أني "عزمت على حالي" أن أكمل الحلقة إلى نهايتها قائلة في نفسي " شو هالسخافة"!! ولكن بعد أن شاهدت الحلقة مجددا وبتركيز أعلى وتدقيق في الحوار-وأنا من أنصار الحوار الجيد بالمناسبة- اكتشفت أن أبعاد الحلقة أوسع من كونها قصة حب تنتهي بالفشل!
الواقع أن الحلقة كانت تناقش فعليا مفهوم الموت والحياة، ففي حوار بين الصديق والأرملة يقول لها أنه قد عاش في مناطق الصراع ورأى الناس يموتون بالجملة عبثا ودون ذنب اقترفوه وذلك لأنهم وجدوا في الظرف الخاطئ وهكذا شاءت أقدارهم وأنه وعلى الرغم من أن هكذا عبثية قد تبعث في النفس اليأس والقسوة، إلا أنها على العكس قد زادت من إصراره على الحياة. لربما أحست الأرملة بأن في موت زوجها نوعا من العبثية ولكنه يخاطبها ليقول لها أن هذه طبيعة الأشياء، فلا نملك أن نتحكم بالموت ولكن يسعنا على الأقل أن نختار طبيعة حياتنا ونمارس حريتنا في استمرارها من عدمه، وهو هنا يعني الانتحار المعنوي التي كانت الأرملة تمارسه بعزلها نفسها عن محيطها ورفضها العودة لتعيش بجانب عائلتها في بيروت والمضي قدما في حياتها. الصديق الذي هجرته زوجته باختيارها يختار أن يبدأ من جديد ويتحرر من ذكرياته الأليمة فيما تتقوقع الأرملة على نفسها رافضة موت زوجها الذي لم يكن باختياره، وبذلك هي تحيا كالأموات وهذه هي المفارقة بين الموقفين!!
تساءلت اليوم فقط كم منا يختار فعلا أن يحيا "ظاهريا" فقط ويحكم على نفسه بالموت وهو حي كما فعلت الأرملة مع مقدرته على الحياة، وكم منا يمكن له أن يتجاوز مشاكله فيحب ويحاول من جديد أن لا يحيا لا "ظاهريا" ولا "عبثيا"؟!! أمر يستحق التفكير على ما أظن وهذه مجرد تساؤلات فلسفية في الساعة الثالثة والنصف صباحا لا أكثر!!
هناك 12 تعليقًا:
"لكن يسعنا على الأقل أن نختار طبيعة حياتنا ونمارس حريتنا في استمرارها من عدمه"
انتي لخصتي الموضوع كله بهالجمله, احنا اللي بنختار, في اشياء بالحياة ممكن انها تفرض علينا ولكن احنا بنختار انّا نستسلم الها تماما او ما نستسلم, وهالشي بعتمد على ايمانا بحريتنا بالحياة و باللي بدنا اياه, اذا ما كان عنّا اي مصداقيه مع نفسنا فكيف بدو يكون عنّا القوة لنختار!!!
الموضوع اجا عالوجع..فأذا الكلام ما كان مفهوم سامحيني بس انا حكيت اشي ببالي :)
ويسبر
بحييكي انتي فهمتي تماما قصدي وكلامك مفهوم:)
وكمان مره بحييكي لانك قدرتي تكمليها :)
تسأولات كبيره مياسي مرات بقعد مع نفسي وافكر كده اذا مت ايه تركت وبتأمل حياتي هل فعلا اخترت افضل ماتوفر ده لما أكون قدام خيارات واتغاظ لاني اخترت الاسهل فقط.
لي عوده
علا
تماما!! نختار الاضمن ولا نختار اللي بدنا ياه؟ ولاي درجه بنقدر نتحمل نتيجة الخيارات هاي؟
برضو بنرجع لنقطة الالتزام والتردد :)
ي ناس فعلا عايشه ميته ... وفي ناس بتموت روحها ..
انا موش م متابعي المسلسلات لانها تصيبني بالملل... على عكس مسلسلات الحكومه اليوميه واللي بتابعها في برامج التوك شو سواء تصريحات او فساد ... بستمتع جداااا
تحياتي
كلامك صحيح كثير ناس عايشة ظاهريا، بس ميتة من جوا. المشكلة انه الحياة كلها مشاكل وما بتصفى لحد وعلى لاغلب هالوضع مش من اختيارنا.
لازم الناس تتقبل وتتعايش مع واقعها ومشاكلها وتستمر، وتختار انها تضحك رغم كل المصايب وتختار انها تستمر، لانها حياتنا بتنعاش مرة وحدة وبس ولازم نستغلها صح.
بعد التحية ,
هلق الام أخطأت وأصابت بذات الوقت
غلطت .. لما حست بأنه الحياة وقفت عند موت زوجها .. وانه خلص , ما عاد فيها تكمل حياتها بشي جديد .. وضلت سنين تعيش نفس اليوم وتكرره .. بروتين قاتل
لكنها اصابت بأنها ما تركت بنتها .. وفضلتها ع حالها بالآخير .. هي لو انها من الاساس قدرت تاخد حل وسط .. كان عملت الصح ع الجهتين
تحياتي :)
عل الوجع
اصلا المسلسل كله عل الوجع يالله شو بتاثر لمن احضره
فتاة من الصعيد
واحنا بنتابع مسلسل الغلا
شيء جدا رائع بصراحه :)
الكيل بمكياليين
ممكن بس لازم تتوافر ارادة الحياه بالاول
او انو تحبي الاشي عالاقل!!
احمد
ممكن بس يعني حتى بنتها كان عندها انانيه
بالاخر بنتها الها حياتها والام لازم تعيش شوي
بس مرات خياراتنا ما بتكون بايدنا او بنغلط كتير وبنكتشف بعد فوات الاوان !
هلا بيك يا أحمد:)
غير معرف
فعلا كل حلقه الها وجع خاص فيها والنص كتير مؤثر
على فكره هاد الجزء مكتوب بطريقه احسن بكتير من الجزء الاول
نوّرت :)
مياسي ...اسم مدونتك جميل
شدني اني أدخل واتعرف عليكي
تحياتي
البنفسج الحزين
انتي الاحلى:)
اتفضلي واتفرجي براحتك وان شالله تكون عاجبتك:)
اهلا وسهلا فيكي :) نورتي
إرسال تعليق