مش العرسان-أهاليهم!! الحلقة الأولـى

منذ زمن وأنا أفكر بالكتابة عن تجاربي مع الزواج التقليدي أو "زواج الصالونات" بمسمّى آخر؛ ما شجعني على ذلك هو أن عددا من المدونات الصبايا قد بدأن بذلك؛ نـانا أولا ومن ثم ويسبر؛ وبطلب خاص من أمجد؛ تشجعّت لذلك.

الواقع أني لن أتحدث عن العرسان أنفسهم؛ ولكني سأتكلم عن أهالي العرسان؛ هؤلاء من لا تنسى قصصهم أبدا معي!!! أمّـا العرسان؛ نتكلم عنهم لاحقا؛ لسا الأيـام جايه كتير!!!

بدأت القصة في ربيع العام المنصرم؛ كنت قد التحقت بعملي السابق حديثا؛ عائدة كنت إلى المنزل بعد أسبوع عمل لقضاء العطلـة؛ فاجأتني جدتي بالآتي:

-في جماعة من العيلة الفلانيّة حكوا؛ (هذا هو أسلوبها في وصف الخطاب حيث دائما تصفهم بالجماعة؛ الجماعة إجو؛ الجماعة حكوا وهكـذا) ؛ مش هاظول من البلد الفلانيـه؟ (قرية من قرى إربد)

-خير؛ مين حكى؟ شو بدهم إن شالله؟!! (هاي أنا قرفانه حالي طبعا!!!)

-والله المرة اتصلت-الحماة المستقبليّة على أساس ما سيكون- وبتحكي لي يا حاجة؛ أنا إلي بنت مجوّزة؛ مرت من بلدكو؛ لمّا مرّت؛ اتذكرت بنتكو-هاي أنا طبعا- مرّة كاينة طالعة معها في باص حجازي؛ بعدها متذكره إسمها وإسم بلدكو- طبعا طبعي الاجتماعي الزّفت اللي حرّمته بعدين هو اللي حطني بهالورطة-المهم بتقولي يـمّه هاي البنت كثير حبيتها؛ شو رايك تروحي تشوفيها لأخوي؟

-يا سلام !!! وبعدين؟

-ولا شي؛ بتقولي يا حجة؛ ظلّينا نسأل ونتطقس بالبلد تا عرفنا عنوانكو وبيتكو؛ وبدنا نيجي نزوركوا!!! – حطوا باعتبارك أنو أنا كنت شايفة الأخت المحترمة من شي 2 أو 3 سنين قبل هالحكي؛ بس أنا تذكرتها مباشرة؛ كنت يومها مروحه من عمان وهي كانت بتتدرب للأمن؛ وحكينا!!)

-أها يا عيني؟ وشو بيشتغل المسعد؟؟ (المسعد هو عريس الغفلة طبعا)

-والله بتقول أنه مهندس زي حالاتك ومعاه ماجستير؛ وبيشتغل مدرّس بكلية بالسعودية؛ وكأنو أكبر منك بسنه!!! (طبعا بالعادة يتضح في معظم الحالات إنو الحجة فاهمة غلط؛ الواقع هي كثير ذكية بس للأسف؛ دايمن في هيك مواضيع بتسقط منها المعلومات سهوا مش عارفه ليش؟!!)

-طيب إذا اتصلت فيكي كمان مرّة؛ قوليلها تنسى الموضوع؛ أنا ما بدي!!!

بصراحة لا أذكر لماذا رفضت الزيارة؛ أعتقد بأن الأسلوب ما كان "خاشّ" براسي!!! لا لا تذكرت السبب الآن؛ لأن العريس كان مسافرا؛ وأنا رافضة لمبدأ أن لا يكون العريس متواجدا؛ تراكمت لدي الخبرات فكنت متأكدة من أن العريس أهم عنصر؛ هو الذي يستطيع أن يقدر ما يناسبه دونا عن الآخرين؛ هناك سبب فرعي آخر ولكنه مهم جدا؛ الفلاحون بصراحة قوم لا تحبين عزيزتي العروس العبث معهم؛ هم لحوحون ولجوجون إلى أقصى حد-في معظمهم!!! إذا –أعجبتهم لا سمح الله- و صمّموا عليك فقد صّمموا –بيصيروا بدهم يشيلوا في نفس القعده-ولينقذك الرّب وحده!!!

لذا أظن أن آخر عبارة في الحوار السابق تحولّت للآتي:

-طيب إذا اتصلت فيكي كمان مره؛ إحكيلها بس يجي ابنها بخير وسلامة؛ بتبقى ترجع إن شالله

-طيب شوفيها؟ ما هي عادة الناس؟ الأهل بيجوا بالأول بعدين الولد (العريس عند جدتي دائما هو ولد؛ والعروس هي البنت)

-يا حجة هو بالله تفكي عني!!! أنا فاضيلتهم هاظول؟ لسا بدها تيجي وتعاين وتقرر؟ شو يعني بدو يكون ابنها هالشغلة الكبيرة؟ خلاص احكيلهم زي ما حكيت لك

هنا تدخل أخي-والذي سيلعب دورا فيما بعد في الأحداث:

-وبعدين معك بهالطبع؟ ليش ما تشوفيهم يعني؟ إنتي أحسن يعني؟ كل مرة بتنكسّي (من التنكيس وليس التكنيس) ابن الناس قبل ما يجي!!

-يا عمي أنا ما بدي!!! خلاص احكيلهم يحلّو!!!

وصارت طوشه عالخفيف كالعـادة!!!

اتصلت المرأة في نفس اليوم؛ وردت عليها الحجة بجوابي؛ طبعا بدأت عادة "الإلحاح المقيتة"؛ طيب ليش؟ طيب والله أني – المرادف الرّبداوي لكلمة أنا –حبيتكو من غير ما أشوفكو؛ وبنتي مدحت في بنتكو كثير؛ طيب زيارة صغيرة الله يكرمك يا حجة!!

كان هذا التلفون الثاني؛ ثم اتصلت مرة ثالثة في ذات نهاية الأسبوع-كان يوم سبت على ما أظن- وصارت تستعطف وهي غاضبة:

-يعني يا حجة احسبيني بدي أزورك؛ بتكحشيني (تطرديني) يعني يا حجة من على باب دارك؟!!

يا سلام!!! ابتزاز عاطفي للحجّة من الآخــــر!!! هنا عرفت أنها قد أصابت الهدف في مقتل!!!

تحت إلحاح الحجّة وكرمالها؛ اضطررت للموافقة على مضض؛ ووعدني أخي أنه سيكون متواجدا ليغطّي غياب عمّي-عمي هو الحاضر دائما في هكذا مواقف كان الله في عونه!!!

نسيت أن أذكر أن موضوع ابنها المهندز (المهندس) -لم يدخل برأسي- بحساب فرق السنوات حينها لا يكون ابنها قد أكمل سنتي الماجستير ومن ثم مرّ على وجوده في السعودية عام!!! –مش راكبة يا عمّي!!!

المهم؛ جـاء اليوم الموعود!!! كنت في قمة النكـد والقرف؛ ارتديت طقما رسميا؛ ومن ثم جلست أنتظر تشريفهم؛ بكيت قليلا أيضا من باب التنفيس؛ حتى أن أخي صدم بمنظري وأخذ يخفف عني!!!

ثم؛ وصـلوا أخيرا!!!

كالعادة التسليمات وخلافه؛ ومحاولة استقصاء القادمين؛ العدد وماهية الأفراد بالضبط؛ في هكذا مواقف دائما ما أتأخر؛ ولا أتعجل الدخول؛ الواقع أنني لا أرغب به أصلا ولكن ما باليد حيلـة!! مكره لا بطل يعني!!!

ودخلت!! أول ما طالعني هو وجه الأب- صدمت للوهلة الأولى- ومن ثم جاءت الأم؛ ومن ثم....

فتى صغير يناهز العشر سنوات!!! شو بيسوّي هاظ هون؟ الأخ متربع جنب الوالد !!! ياهملالي!!! كمان ابنهم جاي ينقد (من النقد) معاهم؟!! هاي أنا بحالي طبعا!!

لن أفيض في وصف دخولي – بكشرة عظمى- حاول أخي أن يخفف منها بأسلوبه اللطيف؛ سحبت كرسيا وجلست عليه؛ فيما كانت الحماة المستقبلية تنظر مذهولة ومنبهرة في آن معا!!! نسيت أن أذكر أنه من الواضح أن أفراد العائلة قصار القـامة؛ ولكن الأم تبدو صغيرة في السن؛ مفرهدة (يعني عايشه سنها) ولا تخلو من مسحة جمال

بدأت الاستفسارات؛ قديه عمرك؟ شو بتدرسي؟ شو بتشتغلي؟ كيف الدراسة؟ الماستر والله صعب؛ والله جربناه مع ابننا- العريس طبعا- طيب ليش رسالة؟ ليش مش شامل؟ هذا السؤال يوجه إلي معظم الوقت ؛ وكانت هناك محاولات سابقة لإثنائي عن الموضوع كاملا-موضوع الدراسة- من باب الترييح طبعا!!

اتضح من الحوار؛ أن العريس مش مهندس؛ بل دارس للغة الانجليزية ويدرس في كلية هندسية في السعودية-بحكي بحالي:هيك صح؛ هيك ركبت؛ الوالد كان مدير مدرسة سابق؛ والوالدة فيما يبدو غير متعلمة

وبدأ الوالد في احتكار الجلسة فيما ابنه الصغير يمرجح نفسه على الأثاث جيئة وذهابا؛ ويقوم بحركات بهلوانية!!! وأنا أراقبه بطرف عيني مستهجنة وأغالب نفسي بأن لا أنفجر ضاحكة بصوت عال!!!!

لن أتحدث عن فخره اللامحدود بأبنائه الدارسين؛ وابنته التي انتسبت للأمن-واسطة الخير طبعا- له ابن درس التاريخ ومن ثم أجبره والده على تحويل الدراسة-لأنو الانجليزي فيش أحسن منو عمّو-صار يتحدث عن ابنه الكبير؛ الذي حصل على بعثة من أمريكا لدراسة الدكتوراة:

-يعني أني عمّو؛ كان ابني بالسعودية-الكلام موجه لشقيقي- اتصلو بيّو ( فيه) الجامعة؛ السكرتيرة بتسأل: وين فلان لو سمحت؟ قولتلها: أنا فلان!!-يعني باختصار انتحل شخصية العريس!!- طيب بدنا ياك تراجعنا أوراق بعثتك جاهزه؛ قولتلها :حاظر!! اتصلت بإبني؛ ودالي (بعثلي) الأوراق على الايميل؛ وديتهم ووقعت عنه ومشي الحال!! لكان عمو تروح عليه البعثة يعني؟

تحدث عن بيته الذي بناه على شارعين؛ عن أولاده المتعلمين جميعا؛ سرد قصصا كثيرة عن حرصه وشطارته؛ تؤيده في ذاك زوجته طبعا؛ كان من الواضح أنهم من النوع المتحكم جدا في أولاده؛ وأن لا شيء يمر من دون علمهما وشورهما؛ لازم يكونوا على راس كل شي طبعا!!!

هنا بدأ أخي بالتدخل؛ صارت حربا كلامية على الخفيف؛ أخذ يفاخر بعائلتنا المتعلمة وبأشقائي وأعمامي وأخوالي المتعلمين تعليما عاليا؛ منهم المهندس ومنهم الطبيب ومنهم دكتور الجامعة؛ حتى خنس الرجل وبدأ بالاستكانة-لأن تخصصات أولاده كانت أدبية ولا يعدو أكثرهم نجاحا أن يكون معلّما؛ طبعا الحجة كان لها دور بالحديث كالعادة ولكن دورها كان كالعادة لطيفا وملطّفا-أطال الله في عمرها!!

ثم تطرقت الحماة إلى موضوع أن ابنها قادم من السفر في إجازة الصيف؛ لاستكمال اجراءات البعثة والزواج ومن ثم السفر؛ كل هذا في شهر واحد فقط؛ وسألتني السؤال القوي المهم:

-من هون للصيف بتكوني مخلّصـة؟

-بصراحة يا خالتو ما أظن بتوقع أني مطوّله كثير-بحكي بيني وبين حالي : كثيييييير على ما قد تقدري-!!

-طيب ما في مجال تحولي شامل؟

-ايش بدي فيه؟ أنا بدي رسالة تنفعني لقدام!!

-طيب ما هو ابني-العريس- ما شالله عليـه كان أول دفعته؛ لما كمّل الماجستير قالي يمّـه؛ الدكاتره كثير بيغلبّو؛ أني أوخذ شامل أحسنلي!!

الأب مؤمنـا على كلامهـا: صحيح عمّو

-والله يا خالتو الحمدلله دكاترتي مناح وأنا مش ناوية أغير خلاص (سياسة قطع الطريق بالعربي)؛ وأنا مقتنعة أني أعمل اللي بيخليني أحسن مش يرجعني لورا!!

-آه صحيح

هنا؛يأتي دور الاختبارات الذكية:

الأم: طيب هو بالله ناوليني كاس مية!!

قمت من كرسيي؛ صببت الماء وناولتها إيّاه؛ فيما هي تنظر إلي بتمعن من تحت لفوق؛ وأنا أقول لنفسي: أيواااااا!!! اختبار الطول هسه؛ لازم عن كثب!!

الأب: وأنا كمان لو سمحتي عمّو!!! (طبعا هسه دوره هو كمان؛ بس هسه اختبار المشية والالتفاف على جنب)!!!

وإلى هنا؛ انتهت الزيارة؛ وبدأت كلمات من قبيل: انبسطنا بشوفتكم؛ والله يا حجة مش عارفه شو؛ والله هالأمورة-جلالتي طبعا- ما في منها؛ قبلتني المرأة مودعة؛ ورفضت السلام على الأب في أدب –لأني لا أصافح الرجال؛ وخرجت جدتي لتوديعهم يرافقها شقيقي؛ المرأة وهي خارجة ترتدي ثوبا أحمر اللون تحت دشداشها الأخضر الزيتي ( يا حبيبي شفتشي كمان!!!)؛ ولم تنته القصة هنا!!

خرجت جدتي؛ لتجد الصبي الصغير الذي نسيناه من قصتنا؛ وقد تسلّق الدالية – شجرة العنب-الموجودة في الباحة إلى أعلى؛ وصارت الحجة تنادي عليه: انزل يا حبيبي؛ انزل لا توقع!! الله يخليك انزل؛ والأخ مرابط فوق!!

بالأخير بعد إلحاح قصير من والده: إنزل يابا؛ انزل؛ هبط إلى الأرض أخيرا؛ ناولته جدتي دينارا ورقيا كمجاملة منها؛ أخذه في فرح دون حياء كاذب؛ وبعد إصرار من الوالد أنه لا داعي لهذا ولكن صار الدينار في قبضته ملفوفا بإحكام!!

ركبوا سيّارتهم والله يسهل عليهم!! بمجرد أن اختفوا عن الأنظار؛ انفجرنا جميعا في الضحك دون توقف؛ علّق أخي بقوله أنه لم يكن مدركـا أن –عيشة البنات هالقد صعبة-!!؛ الحمدلله اللي خلقني شب!!!؛ أما جدتي فعلقّت على ابنهم الصغير بقولها: حتى قريد العش جايبينه معاهم!! (كناية فلاحية عن الأولاد الصّغار)؛ تحدث أخي عن بساطتهم الواضحة وعن كون أولادهم جل اهتماماتهم في الحياة؛ ثم تحدث عن حركته الدفاعية التنكيسية تجاه الوالد المتفاخر وكيف وجد نفسه مجبرا عليها

بعد هذه القصة؛ توقفت تماما عن التحدث إلى الناس في أي باص؛ وصرت أكتفي بالنظر من النافذة حتى أقطع على مرافقي المجال للحديث؛ وذلك حتى لا يتكرر هذا الموقف الذي جلبته بنت الجماعة اللي بتشتغل بالأمن مرة أخرى

عدت إلى غرفتي؛ اتصلت بخالتي ونقلت لها ما دار وهي تضحك بشدة؛ خالتي الأخرى من خلفها تتساءل عن التفاصيل؛ أنهيت المكالمة وهي تقول لها: تعاااااالي أحكيلك هون؛ إشي من الآخر!!!

طبعا حدث ما توقعته؛ ولم تتصل الأم مجددا؛ وحمدت الله على ذلك؛ الغريب أني في صيف ذلك العام؛ قابلت صديقتي التي تكبرني بعام؛ ودرست نفس تخصص العريس؛ سألتها عن العريس فتذكرته؛ ثم تذكرته أنا أيضا على الفور!! أمضيت سنتين وأنا أراه معاه في محاضرتهم؛ وأسمعه وهو يتكلم وما كان يحيرني دائما فيه-مع أني أشهد والشهادة لله بأنه كان شابا محترما وخجولا جدا-التأتأة الواضحة في كلامه؛ وتلعثمه في الحديث!! وكان غالبا ما يرتدي قميص ليموني أو قرميدي اللون!!! وهـذا ما كان!! لم أستطع أن أتخيل-وأنا المتحدثة بشهادة الجميع-أن ارتبط بهكذا شخصية!!

أرجو يا صبايا ويا أمجد؛ أن تكون القصة قد أعجبتكم؛ وأقسم بالله العظيم أن الوقائع حقيقية مئة بالمئة!!-على الرغم من أن تفاصيل كثيرة قد ضاعت من ذاكرتي بفعل الزمن وبفعل ذاكرتي التي لا تعمل جيدا مؤخرا؛ ولكن هذه هي التفاصيل الرئيسية كما أتذكر؛ كما وأهدي القصة إلى رزان –شريكتنا في الكفاح- لأنها قد ذكرت أنها تستقبل أهالي العرسان المسافرين هي أيضا؛ يعني مثلي في المعاناة

لن أعلق أكثر من ذلك؛ القصة شارحه حالها؛ والباقي عليكم طبعا!!! ولكن سأقتبس من ويسبر تعبير "قصة من وحل الواقع"؛ الاستفسارات في التعليقـات لمن رغب في الاستزادة

القصـة القادمـة: أبو زنّوبـة!!!