وداعـا عمّان

غادرت عمان البارحة.. فقد تركت عملي فيها.. قررت أن أتخلص نهائيا من ذلك الشبح الصغير الذي يدعى رسالة الماجستير فقد أتعبني؛ صار يطاردني حتى في أحلامي؛ و يقطع استمتاعي بأي نشاط أقوم به؛ فإن خرجت إلى زيارة أو مناسبة اجتماعية مثلا؛ تحرّك ذلك الصغير في ركن بعيد من عقلي ليزجر الضمير الذي حاولت إخضاعه فصمت لبعض الوقت ثم ما عادت المحاولات تجدي نفعا؛ وهكذا كان!!!

عمان كانت دائما عاصمة لم يتسن لي التعرف عليها؛ و لأكن صادقة أكثر لم أكن أحبها كثيرا إن لم يكن أبدا و لكن..

يدهش الإنسان أحيانا لتصرفات قد يقوم بها؛ و يستغرب لمشاعر جديدة قد تفسح لنفسها مكانا سواء أكان ذلك بإرادته أو غصبا عنه؛ و الواقع أنني و بعد 10 أشهر من المعيشة المتواصلة في هذه المدينة قد وقعت في غرامها!!!

أجل أحببتها بكل شيء فيها ..بشوارعها و سياراتها و عماراتها؛ حتى بتناقضاتها التي كانت تظهر تدريجيا و أحيانا بشكل حاد حينما أنتقل من من الشميساني (مكان عملي) في عمان الغربية ( و المحسوبة على الأماكن الراقية)؛ إلى عمان الشرقية حيث تبدأ صورة مختلفة تماما بالانتشار شيئا فشيئا لتحتل الصورة كاملة.. برغم كل ذلك أحببتها!!!!

علمتني هذه التجربة في عمّان أشياء جديدة؛ و خسرت لربما أشياء أخرى؛ لا يسمح وضعي الحالي بالتوقف كثير أمام معايير الربح و الخسارة؛ ولست في مزاج يتيح لي رفاهية التأمل؛ ولكن وبعيدا عن أي وضوح في الرؤية؛وفي ضبابية واضحة يستطيع كل منا أن يجلوها في داخله... أستطيع و بضبابية أيضا أن أقدر ما لي و ما عليّ..

عمان مدينة لا تملك إلا أن تحبها بعد فترة؛ ذلك إن أجدت استمتاعك بما تقدمه لك جيدا...

وداعا عمان؛ وداعا للطريق اليومية من صويلح و حتى دوار الداخلية؛وداعا للحب العذري و الصريح أيضا..حين ينفرد المحبون في حميمة واضحة تراها على مقاعد شارع الثقافة في الشميساني أو المقاعد الممتدة من بوابة الزراعة للجامعة الأردنية و حتى مسجد الجامعة؛ يدهشني كم "البحبوحة" أو "الأريحيّة" التي يعبّر بها المحبون عن أنفسهم في عمان؛ و لا أدّعي بأن "إربد" مدينتي "أنظف" كما يقولون؛ ولكن في "إربد" تلمس جانبا محافظا لا تراه في عمان؛ حيث الكل مسؤول عن نفسه هنا...

لا أرغب في أن أطيل ولكن؛ وداعا عمان؛ لا أعلم إن كنت سأعود إليك ثانية؛ فوداعا عزيزتي.